نزعة التجديد في الأدب
الحياة أخذ وعطاء ، وحين نتأمل وندرس ونتعقب في ثنايا الحياة نجد أن كل نهاية فيها ، هي بداية لحياة جديدة متفتحة .
في العلم والأدب لا يوجد حدود جغرافية ولكن يوجد إنسان ومعرفة وإنسانية الإنسان معطرة دائماً بمسك الإبداع والتطور والتجديد والابتكار لذلك كان الصراع مستمراً بين قديم وحديث ، بين ماض وحاضر ، بين تراث ومعاصرة .
العقد الثاني من القرن العشرين شهد تطوراً ملحوظاً في الأدب العربي الحديث تطوراً جعله يتخطى حدود التبعية في المناهج التقليدية ، ويندمج في الواقع الحاضر كل الاندماج , وهذا مما أتاح للأديب حرية واستقلالاً لا يتيحهما له مفهوم الالتزام في إطار الواقعية .
وقد أثار هذا الاتجاه بعض الجدل حول الإنتاج الأدبي الذي ظهر في تلك الفترة ، واتخذ منه المثقفون والتقليديون موقفاً معادياًُ وكذلك الأمر بالنسبة للقراء العاديين والمفكرين و الأدباء رافضين كل نزعة تجديدية في الأدب لكونها نزعة مخّربة وهدّامة تدمر المفاهيم الثقافية والفكرية والأدبية المتوارثة والمتعارف عليها .
كانت الغاية من هذا التيار الحديث الذي يدعو إلى التجديد في الفكر ، والذي تجسد في كتابات متعددة ، بدت فيا روح الثورة والحماس ، هي الرغبة الواضحة والأكيدة في الابتكار والإبداع والخروج من عباءة التقليد ، لكن هذا التيار المتجدد لم يلغ التراث مطلقاً ، كما أنه لم يستسلم لأدب الغرب وفنونه وإنما كان يدعو إلى نظرة جديدة في ا لتراث بحيث يؤخذ منه الجوهر ، ويضرب صفحاً على ما لا يتلاءم مع واقع التطور الفني والأدبي والتطور الاجتماعي في العالم المعاصر ، كذلك وقف هذا التيار موقفاً صارماً من الثقافة الوافدة من الغرب ودعا إلى مراقبة صارمة وصامدة للنماذج الثقافية والفكرية التي لا تنسجم مع طبيعة الشخصية العربية والبيئة والمجتمع العربي النـزعة الأدبية الجديدة كانت تدعو إلى الارتباط بالواقع وعلى التجديد المبني على دعائم محلية وإقليمية ، ليكشف الأديب ما وراء الظلال من صور إيجابية وسلبية ، ويبرزها إلى الساحة الأدبية في حلة قشيبة .
وهذا ما رأيناه في كتابات المدرسة الحديثة في مصر في الربع الأول من القرن العشرين، وفي نتاج أدبي ساعد على نمو وازدهار ذلك الفكر وتلك الدعوات لقد رفض زعماء هذه المدرسة المحاكاة والتقليد ، ولكنهم لم يرفضوا الاستفادة من التيارات الأوربية المعاصرة ، وإن كانوا قد رفضوا بإصرار تقليدها ومحاكاتها ، وقبل هذه الدعوة المجددة في مصر كانت قد سبقتها دعوة مشابهة في تونس وقد دعمت مجلة (( العالم العربي )) التي كانت تصدر في تلك الفترة هذا التجديد ، وساهمت في إضفاء أبعاد عصرية للفكر العربي ، وللأدب العربي في تونس ، وقد استقطب رئيس تحرير هذه المجلة وهو الأديب ( زين العابدين السنوسي ) عدداً من الكتَاب الشباب ليجعل من صدر صفحات مجلته ملتقى أدبياً ، يرفدها هؤلاء الكتَّاب بكل ما لديهم من قدرة على الإبداع والخلق للخروج عن النماذج التقليدية في القصة والشعر والنقد وغيره ، فكان من حصاد ذلك أن أسسوا ما يشبه مدرسة فكرية مستقلة تمتلك أهدافاً ومبادئ وغايات ذات طابع منفرد ، وكان من أفرادها ( على الدوعاجي ) و ( أبو القاسم الشابي ) وغيرهم .